تلقّى العرب الکتابه وهی على حاله من البداوه الشدیده، ولم یکن لدیهم من أسباب الاستقرار ما یدعو إلى الابتکار فی الخط الذی وصل إلیهم، ولم یبلغ الخط عندهم مبلغ الفن إلا عندما أصبحت للعرب دوله تعددت فیها مراکز الثقافه ونافست هذه المراکز بعضها بعضاً على نحو ما حدث فی الکوفه والبصره والشام ومصر؛ فاتجه الفنان […]

تلقّى العرب الکتابه وهی على حاله من البداوه الشدیده، ولم یکن لدیهم من أسباب الاستقرار ما یدعو إلى الابتکار فی الخط الذی وصل إلیهم، ولم یبلغ الخط عندهم مبلغ الفن إلا عندما أصبحت للعرب دوله تعددت فیها مراکز الثقافه ونافست هذه المراکز بعضها بعضاً على نحو ما حدث فی الکوفه والبصره والشام ومصر؛ فاتجه الفنان المسلم للخط یحسّنه ویجوّده ویبتکر أنواعاً جدیده منه.

وقد کان العرب یمیلون إلى تسمیه الخطوط بأسماء إقلیمیه لأنهم استجلبوها من عده أقالیم فنسبوها إلیها مثلما تنسب السلع إلى أماکنها؛ لذلک عُرف الخط العربی قبل عصر النبوه بالنبطی والحیری والأنباری، لأنه جاء إلى بلاد العرب مع التجاره من هذه الأقالیم. وعندما استقرّ الخط العربی فی مکه والمدینه وبدأ ینتشر منها إلى جهات أخرى عُرف باسمَیهما المکی والمدنی.

إلا أن الخط العربی لم یقدّر له أن ینال قسطاً من التجدید والإتقان إلا فی العراق والشام، بعد أن فرغ المسلمون إلى التجوید والإبداع فیه بعد أن فتح الله علیهم البلاد، وأصبحت لهم عماره وفنون، واحتاجوا إلى الدواوین. وما یقال عن العراق یمکن أن یقال عن الشام کذلک؛ فقد اتسعت رقعه الدوله فی العصر الأموی، وأصبحت دمشق عاصمه الأمویین، وظهر فی هذا العصر الترف والمیل إلى البذَخ والتحضر، ونشطت حرکه العمران، فظهرت الکتابات على الآنیه والتحف، واعتُنی بکتابه المصاحف وزَخرفتها.

وفی العصر العباسی ترسّخت الکتابه وازدهرت الخطوط وتنوعت واختص کل إقلیم بنوع من الکتابه. وجدیر بالذکر أن الأقلام (الخطوط) فی ذلک العصر کانت تسمى بمقادیرها کالثلث والنصف والثلثین، کما کانت تنسب إلى الأغراض التی کانت تؤدّیها کخط التوقیع، أو تضاف إلى مخترعها کالرئاسی نسبه إلى مخترعه. ولم تَعد الخطوط بعد ذلک تسمى بأسماء المدن إلا فی القلیل النادر.

وکما جعل المصریون کتابتهم على ثلاثه أنواع: الهیروغلیفی (الکهنوتی)، والهیراطیقی (الدواوینی)، والدیموطیقی (الشعبی). کذلک کان الأمر فی خطوط العصر العباسی، فکان لکل خط اختصاصات معینه، ومن ذلک قلَم الطومار: وکان مخصصاً لتوقیع الخلفاء والکتابه إلى السلاطین؛ ومختصر الطومار وکان لکتابه اعتماد الوزراء والنواب والمراسم؛ وقلَم الثلثین وهو لکتابه الرسائل من الخلفاء إلى العمال والأمراء فی الولایات؛ وقلم المدور الصغیر وهو لکتابه الدفاتر، ونقل الحدیث والشعر؛ وقلَم المؤامرات لاستشاره الأمراء ومناقشتهم؛ وقلَم العهود لکتابه العهود والبیعات؛ وقلَم الحرم للکتابه إلى الأمیرات؛ وقلم غبار الحلیه لکتابه رسائل الحمام الزاجل.

هذا وقد اندثر کثیر من هذه الخطوط وبقی بعضها الآخر مستعملاً إلى یومنا هذا، وفیما یلی سنوضّح أهم هذه الخطوط وصفاتها واستخداماتها.